Blog Layout

آلاء القاسم-مخيم الزعتري

"لقد أفقدتني الحرب إحدى ساقي، وحرمتني اثنين من إخوتي، لكن الحياة مستمرة لاخيار آخر لنا إلا أن نصبر ونتأقلم مع واقعنا الجديد، ونسعى لتحقيق أحلامنا بالرغم من كل شي"، هكذا بدأت إيمان حديثها، وهي سطّرت بفكرها وأناملها قوة الإصرار لتحقيق طموحها بالرغم من ظروفها الصعبة، وهي اليوم طالبة بتخصص الترجمة، وتعيش مع أختها في مخيم الزعتري منذ تسع سنوات.

مأساة الحرب وويلاتها

كانت إيمان (20 عاماً) تعيش بأمان مع عائلتها في سوريا، ولكن لم يلبث أن تحول هذا الأمان لخوف شديد عند اندلاع الحرب في سوريا، كان عمرها آنذاك عشر سنوات، تقول إيمان" أصبحنا نتعايش مع فكرة أن بيتنا في أي لحظة سيصبه الدمار وسنموت، إلى جانب معاناتنا من انقطاع الكهرباء والغاز، فقد كنا نطبخ على الحطب"، وفي إحدى الأيام المنكوبة بينما كانت إيمان وأخيها يرمقون بسعادة فروخ الحمام التي وضعتهم الحمامات للتو على سطح بيتهم، فجأة عكّرت أصوات الرصاص والقذائف التي ترتمي من كل صوب وحدب صفو سعادتهم.

وفي هذه اللحظات المؤلمة تعالت أصواتهم من هول الموقف، وهرعوا يتراكضون من البيت باتجاه الأراضي الزراعية، وتصف ما حدث لهم:"فجأة سمعنا دوي صوت قوي وغريب ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أطير للأعلى وارتطم بالأرض بقوة، حينها أدركت أنها قذيفة، وقد ضربت بالصخر وتناثرت الشظايا ودخلت أجسادنا"، وملأ المكان صوت أنين إيمان والمصابين معها من شدة الألم، واستيقظت إيمان من نومها مفزوعة في المشفى على خبرين صادمين أولهما استشهاد اثنان من إخوتها، وثانيهما هو حاجتها لعمليات تتعلق ببتر ساقها المصابة بـ "غرغرينا".

وتذكر إيمان:"ذات يوم شعرت بحاجة لحك ساقي اليمين المبتورة، توهمتُ لثوانٍ أنها مازلت موجودة، وكان جسدي معرض لإصابات أخرى أيضاً"، وبعد رحلة علاج استمرت لمدة شهرين عادت لبيتها، ومن المؤسف أنه بعد هدوء دام لفترة وجيزة من الزمن عادت القذائف من جديد، وتوضح معاناتها هي وأختها المصابة في لحظات الخطر:"كنا نخرج من البيت زحفاً حين تترامى علينا القذائف"، وقررت عائلتها  فيما بعد اللجوء بهم إلى الأردن لاستكمال علاجهم.

رحلة العلاج في الأردن

وفي عام 2013 حطت إيمان رحالها هي وعائلتها في مخيم الزعتري، وقد عبّرت عن شعورها لحظة الوصول للمخيم:"كان مكان كئيب ممزوج بالحزن، وبنفس الوقت آمن من الحرب"، وبدأت رحلة علاجها في مشافي الأردن، وأُخضعت بدايةً للعلاج الفيزيائي، وكانت تستعين بـ عُكَّازُ لأجل الذهاب للمدرسة، ولقد بلغت ذروة الأمل أوجها في قلبها حين رُكّبت لها ساق اصطناعية، فتصف شعورها بذلك:"بالرغم من تعايشي مع شيء غريب ومتجمد، لكنني متفائلة به، فهو يساعدني على المشي بشكل أفضل من قبل".

وفيما بعد تكفل مركز علاج وتركيب أطراف في عمان بعلاجها هي وأختها إلى جانب سكنهم فيه، وفي هذا الوقت عادت والدتها لسوريا، فتذكر إيمان:" كانت مفارقة أمي صعبة بس مجبورة أصبر عشان علاجي، كنت بالمركز أتعالج وأجدد أطراف، وخلال سكني بالمركز كانوا يقدمولنا دورات تدريبية مختلفة منها الحرف اليديوية ودورات لغة إنجليزية ورسم".

إرادة إيمان والتعليم

واتخذت إيمان من الرسم وسيلة لتعبر عن نفسها وعن الواقع الذي تعيشه، وقد سنح لها تعلم هذا الفن فرص للمشاركة في عدة معارض رسم عُقدت داخل الأردن وخارجه وبيعت خلالها لوحاتها، ولم تكتفي بهذه المهارة فحسب بل تعلمت أيضاً فنون المسرح ضمن المركز الثقافي في عمان، وشاركت في عدة مسرحيات مع بعض الممثلين، وكانت تدور هذه المسرحيات حول معاناة اللجوء، وخطورة هجرة اللاجئين عبر البحر.

وبعد ما يقارب السنتين من تواجدهم في عمان عادت مع أختها للعيش في المخيم، واستمرت مسيرتها بالإبداع، تشير إيمان": التحقت بتدريب لمدة ثلاثة أشهر بمجال ريادة الأعمال مع إحدى المنظمات في المخيم، وعرضتُ فكرة مشروعي أمام لجنة مختصة، وهو عبارة عن دراجة هوائية خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة من أصحاب الأطراف الاصطناعية وذلك لتعينهم على الحركة وتقوي عضلاتهم من خلال دعمها للعلاج الفيزيائي"، وفاز مشروعها مما أهلها لاستكمال تدريباتها في "مختبر التصنيع الذكي" بشمال ستارت. 

ولم تزدها نجاحاتها المتوالية إلا إصراراً لاستكمال تعليمها، وقد حصلت على شهادة الثانوية العامة بالرغم من تحديات جائحة كورونا، لترسم بإرادتها النجاح والأمل، وبفضل من الله دخلت الجامعة لتدرس تخصص الترجمة بعد أن تكفل فريق من أهل الخير بتكاليف دراستها.

تختم إيمان قولها":سأستمر دائما في تطوير نفسي وخبراتي وسأسعى بإذن الله لأكون مترجمة محترفة، وأتمنى أن أحصل على فرصة للهجرة والسفر للخارج لاستكمال علاجي وتركيب أطراف صناعية حديثة، إلى جانب متابعة تعليمي في الدراسات العليا، وأوجه رسالة لكل الشباب والفتيات في العالم ثقوا بأنفسكم وقدراتكم، فـ بمجرد أنكم تتنفسون في هذا العالم سيكون بإمكانكم أن تصنعوا التميز والإبداع لكم ولمجتمعاتكم مهما كانت الظروف".



Share by: